ويقولون أيضاً: بأن الشعوب الغربية هي التي علمت العالم أن الحاكم يحاسب، قالوا: لم يكن الناس يملكون شيئاً في العصر الإقطاعي، ولا يفكرون في شيء، فنقول لهذا القائل: أنت تتكلم عن أوروبا ، وأما المسلمون فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه؛ وهو الذي يوحى إليه، وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم الإنصاف، ويربيهم عليه، حتى إنه بنفسه صلى الله عليه وسلم طلب من المسلمين على المنبر أن من كانت له مظلمة أخذت منه، أو ظلمه؛ أن يقتص منه صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين.
وكذلك كان أبو بكر و عمر وكل خلفاء المسلمين، ولا ينبغي هنا أن نذكر الخلفاء الراشدين، ولا أن نقارنهم بالغرب، وإنما نقارن سلاطين المماليك أو الأتراك مثلاً بسلاطين أوروبا ، ومع ذلك سنجد الفرق عظيماً
جداً بين هؤلاء وبين هؤلاء، فلم يكن عندهم أي تحكم في الناس: لا في تفكيرهم، ولا في مشاعرهم، ولا في أموالهم، ولا في أهليهم؛ كما كان يتحكم أولئك الغربيون في النظام الإقطاعي، ولا وجه للمقارنة أو المشابهة بين هؤلاء وبين هؤلاء، فكان من حق أي واحد أن يعبر عن رأيه، وأقرب مثال على ذلك: السلطان عبد الحميد آخر سلاطين المسلمين، فلولا أنه متاح للإنسان في أيامه أن يتكلم، وأن يعبر عن رأيه ما جعل نصارى لبنان وغيرهم دواوين الشعر في ذمه وهجائه، وطالبوا بالإصلاحات كما يسمونها، وطالبوا بحقوق كثيرة، وما كان الغربيون يستطيعون في ظل دولة كاثوليكية، وما كان البروتستانت يستطيعون في ظل دولة كاثوليكية أن يطالبوا بمثل ما طالب به النصارى الدولة العثمانية، سواء كانوا الأرمن أو من غيرهم، وأرمينيا كانت ولاية عثمانية، وقد كان نوبار باشا رئيس وزراء مصر ، وهو أرميني، وهذا دليل على أنه لم يكن عندنا أي تفريق، فجاء من أرمينيا وصار رئيساً للوزراء، فكان النصارى يعيشون بمختلف فئاتهم في ظل الدولة العثمانية، وكذلك اليهود .